متلازمة نقص ~
غيوم الصباح رغم ما تبديه لنا من هشاشتها وتدللها ، كفتاه تتغنج وترسم في مخيلة مستمعيها صورة انثى مثالية لا توجد على أرض الواقع ، إلا أنها كصخر مطل من عالٍ ، منطقة تضاريسية مختلطة بكل عناصرها ، جزر هوائية ، وشعاب مرجانية في ساعات الشروق الأولى ، هكذا رأتها في بحر السماء متدرجة الألوان كمعادنها وتركيبها الكيميائي ، إلا انها لا تتمدد بالحرارة بل تتلاشى كعواطفنا الكاذبة ، تختفي كلما ارتفعت درجة صدق الطرف الآخر ، لوحة أمواج أتقنها فنان وترك لنا نشوة الغموض والتأويل كموناليزال لا يعرف سر ابتسامتها إلا من اختَلَقها ، لون سح منه وأفلته متعمداً ، فيه سر لوحته واختلافها عن كل ما يشبهنا ، يابسة وماء ، ولا تشبة إلا السماء .
تمشي وكأنها المرة الأولى التي تمر بها من هذا الممر ، هكذا أرادت لصباحاتها أن تكون ، كل صباح وكأنه الصباح الأول من عمرها ، عهد أخذته على نفسها بعد أن أدركت دخولها لسنوات العنوسة حسب التقويم العربي ، العائلي ، المجتمعي، أياً كان لا يهم إلا أنها أدخلت نفسها سنوات الدهشة في تقويمها الذاتي تقويمها الإنساني ، تفتعل الدهشة في أدق تفاصيلها الحياتية ، كطفل كل ما حوله مدهش _ الأطفال أفضل ممثل للدهشة والتنفيذ العملي لكل ما هو مبهج _ كل ما يلتقي به جديد ، وكل ما يشاهده لم يره من قبل هو حقاً لم يرى كل هذه الأشياء ، أما هي فرأتها من قبل إلا أنها تراها اليوم بوجهها المختلف ، تراها اليوم بنفسية المنتصر، المنتصر على كل قوانين هذه الحياة ، نعم نفسية المنتصر عبارة سمعتها من إحدى محاضري التنمية البشرية التي عكفت عليها لتحرير نفسها من كل هذة البرمجيات والقوالب التي فرضها المجتمع وأهله لها ولغيرها وكأننا في مصنع لصنع الإنسان المتفوق ، الإنسان الكامل ، الإنسان المجرد ، كدمى تدخل من إحدى أطراف خط إنتاج الحياة وتخرج من الطرف الأخر ، تدخل كتلة من الهباء ، كتلة من الغباء ، كتلة من اللاشئ ، فإما أن تخرج ، بغباء أكثر أو جمود أكبر وموت حياتي أكثر ، أن تعيش كما أرادت لك آلة الحياة تلك ، ، وإما أن تعاندها وتختلق لنفسك تكوين أخر وتصميم مختلف غير ما أرادت هذة الآلة وصانعوها ، وما بين الطرفين ، طرق ، و كسر وحرق ، واعوجاج ، و اعوجاج .